لبنان: معـاشات التقاعـد ونهاية الخدمة قنبلة موقوتة

15.10.2018
د. غازي وزني
نسيب غبريل
روجيه ملكي
إياد حورانــي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

نظّمت مجلة الاقتصاد والأعمال اللبنانية طاولة مستديرة حول «معاشات التقاعد ونهاية الخدمة لموظفي القطاع العام» وأثرها على المستويين الاقتصادي والمالي على مدى السنوات المقبلة بدءاً من العام 2019.

إنعقدت «الطاولة المستديرة» في مكاتب «الاقتصاد والأعمال» وشارك فيها كل من: الخبير الاقتصادي د. غازي وزني، الخبير الاقتصادي روجيه ملكي، كبير الاقتصاديين ورئيس دائرة الأبحاث والتحاليل في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل، والمدير الإكتواري الشريك في شركة مهنا وشركاه إياد حوراني، الخبير في أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية.

أدار الندوة الزميل بهيج أبو غانم وشارك فيها الزميل علي زين الدين، وساهم في إعدادها الزميلان برت دكاش ومزيد حجاز.

الأسئلة الأساسية

حاولت الندوة تسليط الأضواء على الآثار المترتبة على سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام التي أقرّت في العام 2017، وقد جرت المناقشات حول الأسئلة التالية:

أي أثر للسلسلة على كلفة القطاع العام من إجمالي الناتج المحلي؟ تأثيرات تضخم رواتب القطاع العام على القطاع الخاص؟ ما هو الأثر المالي المتوقع على الخزينة للعام 2018؟ ما هي التوقعات المرتقبة لأعباء التقاعد ونهاية الخدمة للسنوات المقبلة؟ أي اثر للضرائب التي فرضت من أجل تمويل السلسلة؟ وأخيراً، هل ثمة حلول يمكن اللجوء إليها قبل تفاقم الأعباء؟

الخلاصات الأساسية

ومن مجمل المداخلات التي جرت خلال الندوة ومن مجمل الملاحظات التي ارتؤي عدم الخوض بها، توصّلت مناقشات المتحاورين حول عدد من الاستخلاصات الأساسية التي يمكن إيرادها في ما يلي:

أولاً: ثمة أعباء مالية كبيرة ستترتب على الخزينة في السنوات المقبلة وبوتيرة متصاعدة نتيجة تضخم رواتب الموظفين والمتقاعدين التي زادت نتيجة السلسلة، ونتيجة التدابير العائدة إلى الأسلاك العسكرية التي تحتسب كل سنة بثلاث سنوات.

ثانياً: من المؤشرات الأولية التي برزت في اتفاق الموازنة للعام 2018 والتي تناولت الأشهر الأربعة الأولى من العام والتي أظهرت الآتي:

ثالثاً: ارتفاع الرواتب وملحقاتها إلى 1788 مليار ليرة أي بزيادة 12.7 في المئة عما كانت عليه نهاية العام 2017.

رابعاً: ارتفاع رواتب التقاعد بمقدار 722 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 13.8 في المئة.

خامساً: ارتفاع معاشات نهاية الخدمة إلى 225 ليرة، أي بزيادة نسبتها 59.5 في المئة عما كانت عليه نهاية 2017.

سادساً: تضاعفت معاشات تقاعد نهاية الخدمة من نحو 1400 مليار ليرة في 2011 إلى نحو 2800 مليار ليرة.

سابعاً: أجمع المتحاورون على أن هناك غياباً كلياً للأرقام الدقيقة حول عدد الموظفين في القطاع العام وعدد المتقاعدين وفئاتهم العمرية التي في ضوئها يمكن احتساب الكلفة سنة بعد سنة.

ثامناً: إرتفعت نسبة الرواتب والأجور وملحقاتها ما بين العام 2011 والعام 2018 بنسبة 53 في المئة نتيجة مفاعيل السلسلة والزيادات الآلية التي تلحق بالموظفين بمعدل درجة كل سنتين.

تاسعاً: تمّ توظيف 27 ألف شخص خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب المحاصصات والمحسوبيات.

عاشراً: لم يعد من الجائز اعتماد نظامي التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة في آن، كما هو قائم في بعض الاسلاك.

حادي عشر: من الصعوبة في مكان استمرار التقاعد على مدى جيلين.

ثاني عشر: ينبغي إدخال تعديلات أساسية على نظام التقاعد ولو بصورة تدريجية من أجل التخفيف من الأعباء المالية.

ثالث عشر: وصل إنفلاش القطاع العام إلى مستوى خطير وبات نظام التقاعد يخفي في طياته «قنابل موقوتة».

رابع عشر: ثمة معادلة بسيطة تشير إلى الآتي: إن إنفاق كل 100 دولار من جانب الدولة منها 42 في المئة للأجور وملحقاتها، 35 في المئة لخدمة الدين، و10 في المئة لتمويل الكهرباء.

وهنا أبرز ما جاء في الندوة:

لا أرقام دقيقة

قال د. غازي وزني: إحدى المشاكل الأساسية التي سنشهدها خلال المرحلة المقبلة هي ملف معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة التي هي بمثابة قنبلة موقوتة. يستحوذ هذا الملف على نحو 10 في المئة من الناتج المحلي من دون احتساب النفقات المؤجلة وكذلك من الملفات المقلقة ملف الرواتب والأجور المرتبط بالملف الأول إذ زادت الرواتب وملحقاتها ما بين 2011 و2018 بأكثر من 53 في المئة. إن التوظيف العشوائي أدى إلى نشوء 26 ألف وظيفة خلال المرحلة الماضية بعضها ضروري في القسم الأمني تحديداً أما الباقي فكان عشوائياً، كما إن معاشات تقاعد نهاية الخدمة قد تضاعفت من نحو 1400 مليار ليرة العام 2011 إلى نحو 2800 مليار حالياً، والأيام المقبلة ستشهد زيادة بنسبة أعلى مع ارتفاع عدد المتقاعدين، بحيث ستزيد سنوياً بنحو 250 مليار ليرة". من هنا يقول وزني إن من أهم القرارات الواجب اتخاذها للحدّ من الإنفاق العام، تجميد التوظيف في القطاع العام بشكل حاسم ومن دون أي مسايرة أقله لمدة عام، والعمل وفق النموذج الأوروبي بحيث يمكن بعد فترة التجميد، أن يصار إلى توظيف شخص مقابل تقاعد شخصين.

كما يتطلب الأمر جرأة في إصلاح نظام التقاعد، إذ لا يمكن الاستمرار بمبدأ نظامين للتقاعد أحدهما للأمنيين والآخر للمدنيين. وهنا لبّ المشكلة التي تستوجب توحيد معايير التقاعد على جميع موظفي الدولة بغض النظر إلى أي سلك انتموا وعدم اتخاذ هكذا قرار يعني أننا نسير باتجاه الانهيار المالي والنقدي.

وعلى الرغم من تطمينات البنك المركزي، فإن مستوى الإنفاق القائم في المالية العامة وارتفاع العجز، سيساهمان في استنزاف طاقات البنك المركزي وقدرته على ضبط الاستقرار النقدي إذا لا بدّ من التجميد الكلي للتوظيف، وإقرار نظام جديد للتقاعد بمعايير موحدة.

إن الخطورة الكبرى في إقرار سلسلة الرتب والرواتب أنها جاءت من دون تقدير حقيقي للكلفة وذلك بسبب غياب الأرقام الدقيقة لعدد المتقاعدين وللمستحقين للزيادات.

التقاعد إلى ما لا نهاية

وقال إياد حوراني: «نظام التقاعد في القطاع العام يعتبر مشكلة أساسية في المالية العامة، نحن لدينا نحو 200 ألف موظف في القطاعات التربوية والأمنية والإدارات العامة ولا يشمل ذلك البلديات والمؤسسات العامة الأخرى، ولدينا 75 ألف متقاعد ونحن نتوقع وفق ما لدينا من معطيات وبحسب التركيبة العمرية التقديرية أنه سيكون هناك 40 ألف متقاعد إضافي خلال الـ 7 إلى 10 سنوات المقبلة. إن نظام التقاعد في لبنان يعتبر من الأنظمة الأكثر تخلفاً من حيث تكلفته العالية، ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء تصورات مستقبلية. هناك حاجة ملحة لإقرار سلسلة إصلاحات بنيوية في النظام التقاعدي وفي مقدمها عدم بقاء جهة واحدة تتكفل بهذا النظام، أي الدولة، لأنها أثبتت عجزها عن إدارة هذا الملف. أسس نظام التقاعد الحالية لم تعد تلائم واقعنا اليوم، إذ لا يمكن على سبيل المثال بقاء معاش التقاعد قائماً إلى ما لا نهاية، ولا بدّ من حصر المستفيدين من معاش التقاعد، واعتماد نظام وفق معايير سليمة إذا ما أردنا الحفاظ على تقديمات المتقاعدين».

غياب الإحصاءات

وتحدث د. روجيه ملكي فقال: «خطورة نظام التقاعد ليست جديدة وقد حذّرنا من مخاطرها منذ العام 2001، واستمرار هذا النظام أعتبره أحد أكبر التحديات التي تهدد الاستقرار المالي والنقدي في لبنان، وخطورته لا تنفصل عن خطورة إدارة المالية العامة عموماً نتيجة لسوء الحوكمة والعجز في إدارة ملفات الإدارة العامة، أضف إلى ذلك غياب الإحصاءات الدقيقة حول أرقام المتقاعدين الفعلي أو الموظفين من القطاع العام وعليه، فإقرار الزيادات من حين إلى آخر ومن دون سقف يشكل عبئاً كبيراً على المالية العامة ولا يمكن الاستمرار على هذا النحو، فهناك حالات يتقاضى فيها المتقاعد أجراً أعلى من الموظف الذي يقوم بنفس الوظيفة فعلياً. أنا لا أعتقد أن هناك حلولاً لأزمة التقاعد كما لأي أزمة أخرى نحن بحاجة إلى إدارة أزمة. فتصحيح سلسلة الرواتب جاء بناءً على وعود سياسية وهنا تكمن المشكلة ومن دون أي احتساب فعلي للكلفة جاء الإنفاق أعلى من التقديرات التي تمّ الإعلان عنها، وهناك مثال واضح حصل عند إقرار التصحيح لرواتب القضاة».

الرواتب: العبء الأكبر

أما نسيب غبريل فرأى أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب شكل نقطة تحول في الأزمة الاقتصادية الراهنة ولكن لم نعرف حجمها إلى الآن وقال: «هناك مشكلة حقيقية في ملف إدارة المالية العامة، فتحويلات الخزينة إلى كهرباء لبنان انخفضت إلى نحو 22 في المئة ما بين العامين 2011 و2016 بسبب انخفاض أسعار النفط وليس نتيجة لإصلاح قطاع الكهرباء وخدمة الدين العام ارتفعت إلى نحو 20 في المئة. أما سلسلة الرتب والرواتب ومعاشات التقاعد فقد ارتفعت بنحو 45 في المئة وكل هذه الأرقام حصلت قبل إقرار سلسلة الرتب والرواتب الجديدة العام 2017، وبحسب تصريح وزير المالية تم توظيف 27 ألف شخص خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الرغم من التحذير من هذه الخطوة. قانون سلسلة الرتب والرواتب الجديد تضمن 3 توصيات أساسية : وقف التوظيف لمدة سنتين ، إجراء مسح دقيق لمعرفة عدد الموظفين والعمال والمتقاعدين والمتعاقدين، وأخيراً تقييم أداء الموظفين. جميع هذه البيانات كان يفترض الأخذ بها قبل إقرار السلسلة، مما يجعلها أكثر إنصافاً لمن يستحق. 

بعد إقرار السلسلة، نلاحظ التوزيعات الأساسية للنفقات العامة كالآتي:  

تحويلات الخزينة إلى الكهرباء: 8 في المئة من النفقات، خدمة الدين تشكل 35 في المئة، معاشات الرواتب ومخصصات التقاعد 38 في المئة. 

وبالتالي بات الملف الأخير من البنود التي تمثل عبئاً كبيراً على المالية العامة وبات مثل كرة الثلج. 

ومن البديهي القول، إن غياب وسائل مكافحة التهرب الضريبي، وضعف أجهزة الجباية، ومكافحة التهريب، كلها عوامل تزيد من التحديات أمام المالية العامة، على الرغم من جهود وزارة المالية في هذا الإطار، إلا ان القطاع الخاص كان ينتظر أن يحظى بحوافز جديدة لتعزيز استثماراته، وليس ضرائب جديدة لكن للأسف أصبحنا اليوم بحجم تضخم يفوق 7 في المئة، ونمو لا يتخطى 1.3 في المئة. 

نحن النظام الوحيد في العالم تقريباً الذي ما زال معاش التقاعد لديه ينتقل من جيل الى جيل، وبنفس القيمة وبكل الزيادات التي تلحقه! كل هذه العوامل تشكل عبئاً على القطاع الخاص. 

ان نظرية ان القطاع الخاص هو قطاع ريعي غير صحيحة على الإطلاق. القطاع العقاري والمصرفي والخدمات كلها قطاعات حيوية ومنتجة وتستثمر وتوظف ونتائج القطاع الخاص في هذا الإطار تفوق بأشواط القطاع العام، المطلوب اليوم الحدّ من انفلاش القطاع العام والعمل بنية جدّية لإصلاح الإنفاق العام في المالية وعلى رأسها نظام التقاعد. 

الاقتصاد الريعي

والإنفاق الحكومي بات هو مصدر الاقتصاد الريعي إذ يؤكد د. ملكي أن الكتلة النقدية في زيادة مطردة حتى ولو توقف التوظيف، فإنها ستزيد تلقائياً وبنسبة كبيرة إذ يوجد اليوم 240 موظفاً في القطاع العام مقابل 110 آلاف بعد انتهاء الحرب. كما يشير نسيب غبريل أن القطاع العام يمثل 9.5 في المئة من الناتج المحلي بينما مساهمته في حدود 1.7 في المئة وبحسب أرقام المحاسبة الوطنية فإن مساهمته سلبية.

وتابع غبريل قائلاً: «ينبغي التركيز على الإنتاجية، فقد كان الحديث عن أعباء القطاع العام بأنها ناتجة من خدمة الدين في الموازنة أما العبء فبات مرتبطاً بإنفلاش القطاع العام الذي يفتقد الى الفاعلية، حيث الأعباء يتحملها القطاع الخاص مباشرة أو غير مباشرة سواء من خلال الضريبة أو من خلال الأداء غير الفعال للقطاع العام. فإذا نظرنا إلى كلفة المعاملات وترهل البنى التحتية نرى هناك توسعاً في القطاع العام من دون وجود تطور في الخدمات والأداء.

عبء وليس شراكة

ويبدو من خلال الوقائع وكأن القطاع الخاص أصبح في خدمة الدولة وليس العكس. وحول ذلك يشرح غبريل: «القطاع العام عوض أن يكون شريكاً للقطاع الخاص أصبح عبئاً عليه، والقطاع الخاص يتحمل جميع الأعباء من خلال الضرائب التي فرضت لتغطية انفلاش القطاع العام. والضرائب والرسوم التي زيدت في العام 2017 نلمس نتائجها اليوم. والتباطؤ الاقتصادي لا علاقة له بشيء إلا الضرائب التي فرضت، ناهيك عن الأعباء التشغيلية الناتجة عن ترهل البنية التحتية وصعوبة المعاملات وكلفتها فضلاً عن الوقت الذي تستلزمه.

ويؤكد د. غازي وزني ذلك مشيراً إلى أن القطاعات الإنتاجية تمثل اليوم 18 في المئة بينما كانت في السبعينات تمثل أكثر من 30 في المئة. والخطة بحسب ماكنزي تكبير حجم الاقتصاد الإنتاجي لأنه يخلق فرص عمل، ولكن كيف سيتم ذلك في ضوء الواقع الحالي المالي والنقدي؟

وتابع وزني:» «أخشى أن يتزايد انفلاش القطاع العام ليشكل بذلك اقتصاداً ريعياً ما لم يتم الإصلاح وأنا لا أرى إصلاحاً. وللتصحيح ذكر الزميل غبريل أن الكهرباء تمثل 8 في المئة من الإنفاق العام ولكن عند وضع الموازنة تم تحديد عجز الكهرباء بـ 2100 مليار ليرة، لكن الكل يعرف ان العجز سيفوق 3000 مليار، وكذلك ذكر مؤخراً أنه ستتم إضافة 800 مليار مما يرفع من حصة الكهرباء في إنفاق الموازنة».

اقتصاد ضعيف

بدوره، تناول د. ملكي الوضع الاقتصادي متسائلاً عن كيفية العمل من أجل تكبير الاقتصاد فقال: «المطلوب هو طمأنة المستثمر فالمخاطر عالية من مختلف الجوانب وليس ثمة رغبة في الاستثمار. المهم جداً تحديد أولويات ليست في بناء أوتوستراد من خلده إلى نهر إبراهيم على سبيل المثال، هناك مشكلة في الاستثمار وتسجيل الشركات وتصفيتها، هناك خلل في البنية الاستثمارية والإنتاجية ولا يمكن الاستمرار على هذا النحو فلو شرّعنا زراعة الحشيشة مثلاً ليست هناك بيئة مؤاتية. في الزراعة لا بدّ من تنظيم حلقات التصريف بين سعر المنتج في الحقل وسعره في المتجر أو في الفندق، قطاع البناء هو الوحيد الذي يتمتع بسلسلة إنتاجية طويلة ويشغل اليد العاملة. ومع تطور القطاع، تولدت مهن ووظائف جديدة ولكن المطلوب مساعدة هذا القطاع للخروج من أزمته، وعلينا تالياً التركيز على مهن جديدة.

وحول بيئة الاستثمار، أشار غبريل إلى أن مؤشر التنافسية العالمي وضع لبنان في المرتبة 105 بين 137 بلداً، أي أن هناك 77 بلداً تسبق لبنان في بيئة الأعمال.

إصلاح نظام التقاعد

وبعد الوقوف على «القنابل الموقوتة» التي يختزنها نظام التقاعد ونهاية الخدمة، وبعد الوقوف على غياب الأرقام الدقيقة عن عدد موظفي القطاع العام والمتقاعدين والتركيبة العمرية للموظفين والمتقاعدين يطرح سؤال: هل ثمة إمكانية لتصحيح هذا الواقع؟ وهل ثمة تدابير إحترازية تخفف على الأقل من ضخامة الأعباء المنتظرة؟

يقول الخبير الاكتواري إياد حوراني: «هناك أفكار كثيرة تبدأ بالتساؤل عن الحقوق المكتسبة لنشير في هذا السياق إلى أن إحدى الولايات الأميركية التي ترعى صندوق تقاعد لموظفيها تقدمت بإصلاحات تناولت الحقوق المكتسبة وتمّ عرض الأمر على المحكمة العليا في أميركا التي أعطت الحق للولاية بتخفيض بعض المزايا منعاً لحالة إفلاس بلدية أخرى. أما بالنسبة إلى الاقتراحات الإصلاحية فإنها كثيرة أسهلها تلك التي تكلفتها عالية جداً. ومن الأفكار: إعادة توزيع المعاش بين المستفيدين بعد الوفاة، وهذا أمر قائم في بلدان عربية عدة، زيادة نسبة مساهمة الموظف من 6 إلى 12 في المئة على الأقل، اعتماد التقاعد أو تعويض نهاية الخدمة وليس الأمران معاً، عدم احتساب الراتب التقاعدي على أساس الراتب الأخير بل على متوسط السنوات الست أو العشر الأخيرة.

إلى ذلك، أن يكون هناك دور للمصارف والقطاع الخاص... هذه بعض الأفكار قبل أن نصل إلى فلسفة دور الدولة بالنسبة إلى التأمينات الاجتماعية وأنظمة التقاعد، وكل ذلك يتطلب دراسات ترتكز على أرقام موثوقة وموثقة لنعرض المعطيات بالتحديد وليس مجرد أرقام تخمينية.

إلى القطاع العام درّ...

وقال د. روجيه ملكي: «عندما تمّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب لحق الغبن بالقطاع الخاص لطالما هرب الناس من القطاع العام إلى القطاع الخاص، أما اليوم فبتنا نرى العكس. كل القرارات تتم من دون تحديد الكلفة الدقيقة، أقرت السلسلة ولم يسأل واحد من النواب عن كلفتها الحقيقية التي وصلت اليوم إلى 2.5 مليار دولار، وتمّ إقرار الكلفة على أساس دراسة أعدّت في العام 2012 بينما القرار جاء في العام 2017، كذلك تم فرض ضرائب ولم تكن لدينا دراسات عن الحصيلة الممكنة من هذه الضرائب، هناك استسهال في إقرار وتمرير القوانين، لماذا لا توفر الدولة أرقاماً دقيقة للإختصاصيين الذين يعطون أفكاراً في مقابلها».

وأضاف: «هناك فشل إداري لماذا لا نخفف من أعباء القطاع العام بطرق أخرى، على سبيل المثال تملك الدولة نحو 1300 مدرسة مجانية، فهل هناك طلاب في هذه المدارس؟ إن معدل كلفة الطالب الواحد في القطاع العام تفوق كلفته عما هي في القطاع الخاص. لقد عهد إلى إحدى المدارس الخاصة بإدارة إحدى المدارس الرسمية فكانت الكلفة أقل بـ 50 في المئة.

كان في الماضي اقتراح بتسليم إدارة المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص مقابل نسبة معينة، بوشر بالمشروع وتوقف بسبب المداخلات والتعيينات الإدارية للمدراء والأطباء، ما أوصل العديد من المستشفيات إلى حالة من التردي». 

عدم دفع الرواتب

يعني ذلك في حال استمراره وصول الدولة إلى مرحلة تعجز معها عن دفع الرواتب والأجور، يقول د. وزني: «الدولة قادرة على توفير العملة المحلية وبكميات غير محدودة، ولكن ماذا تكون تبعات ذلك؟ قانون المحاسبة الوطنية يجيز للدولة الاستدانة من السوق وفي حال لم تتجاوب السوق تلجأ إلى مصرف لبنان حيث قانون النقد والتسليف يحدّد شروط إقراض الدولة. نحن في لبنان تجاوزنا كل ذلك، ولم يعد أحد يتحدث عن القانون بما في ذلك المجلس الدستوري ولاسيما عندما أقرّ قانون موازنة العام 2018 من دون قطع الحساب، فعند عرض مشروع موازنة العام 2017 تمّ إقرارها من دون قطع الحساب، إلا أن المجلس الدستوري أقرّها متذرعاً بالمصلحة العليا... وتكرر الأمر في موازنة العام 2018 تحت الذريعة نفسها، وذلك خلافاً للمادة 87 من الدستور، وتعكف وزارة المال منذ أشهر طويلة على إعداد قطع الحساب ويتم تشغيل الموظفين ساعات إضافية حتى خلال أيام السبوت والآحاد، ولم يرشّح بعد إذا قطع الحساب قد أنجزوها نحن اقتربنا كثيراً من مشروع موازنة العام 2019، لو كانت هناك حكومة تقره المشكلة أن عبارة «الضرورات تبيح المحظورات» صارت مطاطة جداً فمن أين جاؤوا بهذه العبارة؟

في انتظار الإصلاح

وفي العودة إلى مسألة إصلاح نظام التقاعد عاد نسيب غبريل ليتحدث عن حلول ممكنة فقال: «المعروف أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب جاء عشية الانتخابات النيابية، وبخصوص موضوع التوظيف فإن القطاع العام بات أكثر اجتذاباً من القطاع الخاص ويمكن اختصار الأمر بما صار يردده الناس «أصبح حلم كل خريج وخريجة من الجامعة اللبنانية أن يصبح مديراً عاماً لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك أو مديراً عاماً لمصفاة النفط» (كلا المركزين لا عمل فيهما).

وفي سبيل الوصول إلى إصلاحات لا بدّ أولاً من وجود إدراك من قبل الطبقة السياسية والمسؤولين في الحكومة ومجلس النواب لوضع النظام التقاعدي في القطاع العام نظراً الى خطورته كـ «قنبلة موقوتة» وأنا لا أرى إدراكاً من قبلهم لهذا الأمر والذي يجب أن يتوفر كخطوة أولى.

أما الخطوة الثانية فهي وجوب توفر إرادة لإصلاح القطاع العام ومعه إصلاح نظام التقاعد، علماً أنه في بلدان العالم فإن إسقاط رئيس الجمهورية أسهل بكثير من المس بما يسمى الحقوق المكتسبة.

لذا، علينا أن نبدأ بهاتين الخطوتين الأساسيتين ومن الناحية العملية يجب وقف انتقال معاش التقاعد من جيل إلى جيل، في الماضي كانت هنالك أسباب موجبة عندما كان معظم العاملين هم من الرجال أو أرباب العائلات بينما الآن الجميع يعمل ومتعلم ولديه وعي للإدخار».

نظام هرمي

وتابع غبريل: «إذا نظرنا إلى نظام التقاعد في القطاع الخاص ضمن قانون إصلاح قطاع التأمين العام 2004 ينبغي أن يُصار إلى نظام هرمي بحيث لا تتحمل الدولة كل الأعباء، القسم الأول بسيط جداً ويدفعه القطاع العام والقسم الثاني تدفعه الشركة، والقسم الثالث يدفعه الموظف كإدخار، وينتقل المبلغ كله للتقاعد ولا يجوز المساس به قبل ذلك، وفي الولايات المتحدة هنالك حماية من الضريبة لغاية التقاعد، ومن يضطر إلى سحب الأموال من مستحقاته تتوجب عليه ضريبة أو غرامة، إنني أعلم بأن المسألة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى قرار سياسي وإدراك لخطورة الأرقام التي تكبر سنة بعد سنة مثل كرة الثلج».

إدخال تعديلات

أما د. روجيه ملكي فرأى أنه لا بدّ من اللجوء إلى الإصلاحات تدريجياً، ويمكن القول إنه عندما يتوفى المتقاعد تحصل زوجته على 50 في المئة من راتبه كما هو حاصل في فرنسا، ولا تتقاضى ابنته أي شيء من الراتب سواء كانت عزباء أو مطلقة، إلا في حالات استثنائية جداً، وبمعنى آخر يمكن اعتماد مرحلة انتقالية ومن ثم وضع سقوف، إضافة إلى رفع نسبة مساهمة الموظف، علماً أن القانون رفع هذه النسبة إلى 8 في المئة وإنما لم يعمل بها حتى الآن. 

أما إياد حوراني فرأى أنه ينبغي رفع نسبة مساهمة الموظف إلى 12.5 في المئة.

وعاد ملكي ليشدد على وجوب تحديد سقوف، فالذي يستحق 4000 دولار لا يعطى أكثر من 1800 دولار وأي شخص متقاعد لا يحتاج إلى أكثر من ذلك، مثلاً هناك ابنة أستاذ جامعي تتقاضى تقاعداً أكثر من أستاذ يدرس في باريس وبالتالي لم يعد من الجائز القبول بذلك.

وخلص ملكي إلى طرح المعادلة التالية، عندما تنفق الدولة 100 دولار فمنها 42 في المئة للأجور وملحقاتها و35 في المئة لخدمة الدين، و10 في المئة للكهرباء أي أن الباقي للإنفاق الاستثماري هو 13 في المئة فقط .