برهم صالح وعادل عبد المهدي ثنائي الكفاءة والوسطية

09.10.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الأمر الجامع بين الرئيس العراقي الجديد السياسي المخضرم والمثقف برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف الاقتصادي والسياسي المجرّب عادل عبد المهدي هو الكفاءة والمهارة السياسية وأخيراً الاعتدال والوسطية السياسية. هذه الصفات وبالتحديد الكفاءة والوسطية هما أكثر ما يحتاج إليها العراق بعد 15 عاماً على سقوط الدولة وما نجم عنه من تفتت وإنقسامات أهلية وحروب ناهيك بالغزوة الشريرة لمحترفي الإرهاب والهدم وتدمير المجتمعات مثل داعش وأخواتها.  

تصويت ضد التدخلات 

لقد سقط النظام الديكتاتوري السابق بصورة فجائية وعلى أيدي قوات خارجية وليس نتيجة ثورة شعبية أو تطور سياسي، والقوى السياسية العراقية البديلة لم تكن جاهزة ولم تكن تمتلك الخبرات لتسلّم الوضع الجديد، ولهذا السبب مرّت سنوات طويلة من التناحر والانقسامات والتدخلات الخارجية التي استفادت من الفراغ الذي تركه انهيار النظام دفعة واحدة، لكن الشعب العراقي مثقف وذكي ويمتلك الغريزة السياسية الصحيحة وبالتالي لم يأخذ وقتاً طويلاً للتدرج في فهم النظام السياسي المستحدث وفي تمحيص السياسيين والأحزاب، بل ورجال الدين وجميع العاملين بالشأن العام، وقد رأينا علامات تزايد النضج السياسي للعراقيين في الانتخابات الأخيرة التي كانت عملياً تصويتاً كاسحاً لصالح العراق نفسه ضد التدخلات الخارجية وتعبيراً عن نفاذ صبر الناس من تجار الطائفية والمذهبية وغضبهم الشديد من الفساد المستشري ومن عمليات نهب الدولة وإفقار الشعب وتدهور الخدمات. 

وهذا التصويت الإحتجاجي الكبير الذي دفع برجل دين مثل مقتدى الصدر إلى واجهة الأحداث غيّر، ولاشك، الكثير من الموازين، كما أشار بوضوح إلى أن العراقيين غير مستعدين لإضاعة المزيد من الوقت في النزاعات البيزنطية المذهبية وأنهم يتطلعون بدلاً من ذلك إلى قيام حكومات كفوءة تنكب فوراً على معالجة آثار الحرب الدامية مع الإرهاب وترميم البنى التحتية واستقطاب الاستثمارات وخلق فرص العمل وتحسين مستوى الخدمات.

... وتصويت مع الإصلاح 

لذلك، وكما إن الانتخابات العامة مثّلت انتصاراً لصورة المواطن الراغب في الإصلاح وإعادة بناء العراق القوي، فإن توافقات البرلمان العراقي على منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء جاءت لتمثل أيضاً تصويتاً للإصلاح وإعادة البناء والتوافق الوطني وإخماد أصوات دعاة الفتنة والعاملين على تمزيق المجتمع من أجل مصالحهم الانتهازية الصغيرة أو من أجل القوى الخارجية التي تدعمهم بشتى السبل. 

وبينما لم يواجه التوافق الكردي على مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح (وهو السياسي المحنك وصاحب الإنجازات الكبيرة في إقليم كردستان) صعوبات تذكر، فإن التوافق على شخصية رئاسة الوزراء تمّ على أثر نزاع حاد وطويل بين أكبر كتلتين برلمانيتين هما كتلة السيد مقتدى الصدر التي تعتبر نفسها الأكبر في البرلمان وتتبنى موقفاً استقلالياً عن إيران والولايات المتحدة وبين الكتلة الشيعية الموالية لإيران التي يرأسها هادي العامري ونوري المالكي، وقد هدّد احتدام الخلاف بين الكتلتين بتوترات وانقسامات  قرر الفريقان أخيراً أن من المصلحة اجتنابها من دون أن يعني ذلك انسحاب الاتفاق على كافة القضايا الأخرى وخصوصاً تأليف الحكومة العتيدة.  

يذكر أن عبد المهدي هو أول رئيس حكومة عراقية بعد سقوط نظام صدام لا ينتمي إلى حزب الدعوة إذ يمكن تصنيفه في خط الحياد السياسي مع مهارة في إرضاء مختلف الأطراف، وهذه الميزات فضلاً عن الخبرة السياسية التي جمعها في مناصب حكومية عدة، جعلته مرشح تسوية مقبولاً من تكتل مقتدى الصدر كما إن التيار الموالي لإيران لم يجد صعوبة في تبني تكليفه لمنصب رئاسة الحكومة خصوصاً بعد أن نال عبد المهدي مباركة من المرجعية الشيعية في النجف. 

ثنائي بناء الدولة

ومما لاشك فيه أن وجود كل من برهم صالح و عادل عبد المهدي على رأس الدولة العراقية يوفر الآن أفضل الشروط لتوحيد صفوف السياسيين العراقيين حول أهداف بناء الدولة وإعادة الإعمار وتوفير فرص العمل للعراقيين، وهو يوفر بصورة خاصة الظروف الملائمة لتنفيذ برنامج إعادة إعمار العراق الذي تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر الكويت الدولي حول العراق الذي انعقد في مطلع العام الحالي. 

العراق دخل مع الانتخابات الأخيرة ومع التطورات السياسية الإيجابية على مستوى توطيد سلطة الدولة الواحدة مرحلة جديدة واعدة تلقي خلفها بمخلفات النزاع الأهلي والتشرذم المذهبي والعرقي والفساد المستشري.العراق الجديد على الأبواب ولن يعود العراقيون إلى الوراء.