تعويم الدرهم المغربي
ينتظر القرار السياسي

07.07.2017
سعد الدين العثماني
عبد الطيف الجواهري
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
مارسيلي فارس

يكاد قرار تعويم الدرهم المغربي يتحول من جدل اقتصادي ومالي  إلى أزمة سياسية بين الأطراف المغربية الرافضة والداعمة للقرار. 

وكان بنك المغرب ( البنك المركزي) قد أعلن في وقت سابق عن نيته تغيير في مجال تحرك العملة المغربية في سوق الصرف والعمل على أن يخضع تحديد سعر الصرف في المستقبل إلى قوى العرض والطلب بهدف تحرير العملة لاحقاً بصورة كلية. 

غير إن الناطق باسم بنك المغرب وبصورة غير متوقعة أعلن عن تأجيل قرار التعويم من دون تحديد تاريخ جديد لتحرير الدرهم المغربي والذي كانت السلطات المصرفية المغربية  منذ سنوات عدة قد حددت هامش تحركه في حدود 0.3 في المئة، في إطار سلّة عملات تشمل اليورو بنسبة 60 في المئة والدولار بنسبة 40 في المئة. 

 قرار تأجيل تعويم الدرهم المغربي جاء بعد أن شهدت السوق حركة مضاربة واسعة على سعر الدرهم ما أدى إلى مخاوف لدى العديد من الأوساط من تراجع قيمته أمام اليورو والدولار على اعتبار أن بعض الأوساط رأت في تعويم الدرهم نيّة لتخفيض سعر صرفه. 

محافظ بنك المغرب عبد الطيف الجواهري عبّر عن عدم رضاه من تصرف البنوك المغربية معتبراً أنها تراهن على تخفيض سعر صرف الدرهم، نافياً ان يكون قرار التعويم يعني تخفيضاً مبطناً للعملة المغربية التي تميزت منذ سنوات عدة بالاستقرار أمام العملات الأجنبية، وذكر بأن قرار بنك المغرب قرار سيادي لم تمله المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي، مؤكداً أن كل المؤشرات النقدية والمالية جيدة.   

وترى أوساط قريبة من تيارات اليسار أن محافظ بنك المغرب وهو مهندس برنامج التسوية الهيكلية في العام 1993 يريد أن يكمل مسيرة الإصلاحات التي بدأها بتحرير العملة وإخضاعها لقوى السوق.   

في الجهة المقابلة، نجد أطرافاً أخرى ترفض مسعى السلطات النقدية الهادف إلى تغيير قواعد اللعبة في ما يخص تحديد سعر صرف الدرهم. وفي هذا الصدد اعتبر الاقتصادي المغربي القريب من تيار اليسار نجيب اكسبي أن الظروف الاقتصادية والمالية غير متوفرة لتعويم العملة، محذراً من العواقب المالية والمصرفية لهذا القرار، مذكراً بالنموذج المصري الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى 31.46 سنوياً عقب اتخاذ بنك مصر قرار تخفيض الجنيه المصري بإيعاز من صندوق النقد الدولي.

الجدل في المغرب حول هذه القضية انتقل إلى الأوساط السياسية ليتحول إلى تراشق بين جهات عديدة إلى درجة أن البعض اعتبر أن قرار التعويم ليس من صلاحيات البنك المركزي بل يدخل في صلب مهام الحكومة وأن هناك إجماعاً داخلياً مغربياً على أن تسيير العملة من اختصاص الحكومة وحدها ولعلّ تدخل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في النقاش عندما أعلن أن مجال تحرك الدرهم يبقى في حدود 5 في المئة قد ساعد على قرار تأجيل مسعى البنك المركزي إلى وقت لم يحدد.

 تدخّل السلطات السياسية في قرار التعويم يحمل رسالة تأكيد على أن ملف العملة قرار سياسي بإمتياز وليس تقنياً ليترك في أيدي التقنيين كما يريد بنك المغرب. وعودة الملف النقدي إلى الحكومة المغربية يفسّره البعض على أن لقرار تعويم الدرهم تداعيات معقدة على أكثر من صعيد إجتماعي ومالي واقتصادي. فالعديد من العارفين بالشأن المغربي يؤكدون أن تغيير قواعد الصرف في المغرب له تداعيات عديدة ليس أقلّها التأثير على الاحتياطي من العملات الصعبة والبالغ نحو 25 مليار دولار وكذلك على معدل التضخم وبالتالي على الاستقرار الاجتماعي، خصوصاً وأنه يأتي بعد طرح العديد من الملفات على الساحة كملف التشغيل والتقاعد والأسعار وهي ملفات تعرف النقابات المغربية كيف توظفها، وبالتالي فإن تأجيل قرار التعويم يعني عودة السياسة بقوة إلى القرار الاقتصادي في المغرب.